• طباعة المصحف بالألوان للتجويد

    عرض جواب الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف السيد/ د. محمد، ونصه: فنشير إلى خطابكم بشأن تلقيكم مصحفًا مجودًا، مطبوعًا بعدة ألوان في الكلمة الواحدة في جوهر القرآن الكريم الأخضر والأحمر والبنفسجي والرمادي بالإضافة إلى اللون الأسود، ورغبتكم معرفة رأي اللجنة العلمية في الموضوع حيث سبق أن عرض عليها هذا المصحف.

    نورد لكم فيما يلي خلاصة لرأي اللجنة العلمية لمراجعة مصحف المدينة المنورة في مثل هذا الموضوع: إن قصر علم التجويد بأبوابه المتعددة على باب أحكام النون الساكنة والتنوين، وعلى باب المد وإهمال بقية أبواب التجويد، أمر يدعو إلى العجب، مع أن كل باب من أبواب التجويد له دوره في تقويم لسان القارئ.

    فاستخدام الألوان ليرمز كل لون إلى حكم معين من أحكام التجويد التي لم تخرج عن بابي أحكام النون الساكنة والتنوين والمدود، فيه إهمال ما عدا ذلك من أبواب التجويد الآتية: الميم الساكنة، اللامات السواكن، المتماثلين والمتقاربين والمتجانسين، مخارج الحروف، صفات الحروف، الترقيق والتفخيم، كيفية الوقف على أواخر الكلم، الإثبات والحذف، المقطوع والموصول حتى يتسنى للقارئ معرفة ما يوقف عليه بالقطع وما يوقف عليه بالوصل التاءات المفتوحة ليقف القارئ على ما رسم منها بالتاء المجرورة بالتاء وما رسم منها بالتاء المربوطة بالهاء، الوقف والابتداء، كيفية الابتداء بهمزة الوصل، ما يراعى لحفص.

    فكيف يسلم بعد ذلك بقراءة القرآن الكريم قراءة صحيحة، والقارئ لم يعرف شيئًا عن هذه الأبواب التي بذل فيها سلفنا الصالح وعلماء الأمة جهدهم حرصًا على كتاب الله تعالى، وصيانة له عن التحريف، وبعدًا به عن التغيير والتبديل والزيادة والنقص.

    لقد تعمق سلفنا الصالح في تجويد حروفه بأدق ميزان عادل، وقانون منصف حكيم، فلا نقص ولا تطفيف، ولا إفراط ولا تفريط، ثم قالوا لمن تلقوا عنهم وأخذوا منهم: لا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان.

    ألا وإن من المسلّمات أن القرآن الكريم لا يؤخذ من المصاحف، بل بالتلقي والمشافهة، لأن هناك أمورًا لا تحكم إلا بالسماع والمشافهة والأخذ عن الشيخ والقراءة عليه، فالقراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول، ولا مجال فيها للرأي ولا للقياس، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ القرآن الكريم عن أمين الوحي جبريل عليه السلام، قال الله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ[١٦] إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ[١٧] فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ[١٨] ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ[١٩]﴾ [القيامة: 16 - 19].

    كما كان صنيع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين الأخذ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما أرسل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه المصاحف إلى الأمصار أرسل مع كل مصحف إمامًا يقرئ أهل هذا المصر بما في مصحفهم لأن العمدة في قراءة القرآن الكريم هو التلقي.

    إن استخدام الألوان المشار إليها، بدلًا من أن يترك قارئ القرآن الكريم يتلقى عن شيخ ثبت ليقرأ القرآن كما أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن وصل إلينا، فيه استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، وكأنه بعمله ذلل العَصيَّ وقرب القَصيَّ، مع أن فيه حصرًا لفكر القارئ بين الألوان فقط، دون معرفة المصطلحات التجويدية كالإدغام بغنة، والإقلاب، والإخفاء... فالقارئ لا يعرف معنى هذه المصطلحات لغة واصطلاحًا، فما هي فائدة اللون للقارئ؟ إذن لا بد من دراسة هذه المصطلحات في أبوابها، كما أنه لا بد من دراسة جميع التجويد، وإلا فكيف ينطق القارئ بقوله تعالى: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ [هود: 41].

    وحفص يميل الراء والألف بعدها إمالة كبرى، وبقوله سبحانه: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ﴾ [يوسف: 11].

    فقد استخدم في كتابه كلمة ﴿لَا تَأْمَنَّا﴾ اللون الأخضر إشارة إلى الإدغام، وحفص كغيره من القراء العشرة -ما عدا أبا جعفر- يقرأ بالروم، كما يقرأ بالإدغام مع الإشمام، وليس له إدغام محض في هذه الكلمة، وكيف ينطق القارئ بقول الله جلت قدرته: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ [فصلت: 44].

    وحفص يقرأ بتسهيل الهمزة الثانية بين بين -أي بين الهمزة والألف- إلى غير ذلك مما يجل عن الحصر.

    وترى اللجنة أن هذه الطريقة لا تخدم قارئ القرآن الكريم، بل أضرت به لأنها قضت على علم التجويد من أساسه، وحالت بين القارئ وبين معرفته علم التجويد.

    فالقرآن الكريم يجب أن يظل بمنأى عن هذه الاجتهادات في رسمه وكتابته وفي طريقة تلقيه، وأن لا يسمح بمرور الألوان بين أحرف الكلمات القرآنية.

    نأمل التكرم بالإحاطة.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
     

    بعد اطلاع لجنة الفتوى على المصحف المرفق مع الاستفتاء وهو مصحف صادر من دار المعرفة، الطبعة الأولى 1414هـ، مطبعة ركابي ونضر، دمشق، المنطقة الحرة.

    لاحظت اللجنة أن المصحف المرافق مأخوذ عن نسخة معتمدة من قبل جهات علمية معترف بها إلا أنه أثناء التصوير والتلوين وقع بعض الأخطاء في رسم بعض الحروف، وربما سقطت بعض الحروف، كما لاحظت اللجنة أن التلوين المشار إليه لم يستوعب كل أحكام التجويد.

    لهذا ترى اللجنة أن مبدأ تلوين بعض الحروف للدلالة على بعض مواطن التجويد مبدأ مقبول شرعًا ولا شيء فيه من المخالفة للأحكام الشرعية إلا أن تغير الحروف وإدخال بعض النقص عليها ممنوع لما فيه من تغير الرسم العثماني.

    ولا يجوز تداول المصحف المذكور إلا بعد مراجعته من جهة مختصة بطبع القرآن والحصول على موافقتها في صحة الرسم وصحة وضع الألوان في مكانها الصحيح وفقًا لأحكام التجويد المعتمدة.

    وتستحث اللجنة واضع الألوان في المصحف أن يستكمل بها أحكام التجويد الأخرى ما أمكن، وأن ينص في مقدمة المصحف على أن هذه الألوان لا تستوعب جميع أحكام التجويد.

    والله أعلم.
     

    مجموعة الفتاوى الشرعية

    رقم الفتوى: 3572 تاريخ النشر في الموقع : 04/12/2017

    تواصل معنا

التعليقات

فتاوى ذات صلة