حُكم التبرع بقرنية العين
ما حكم تبرع المواطنين بقرنيات عيونهم بعد الوفاة؛ لزرعها عند بعض المواطنين كفيفي البصر؟
قواعد الشريعة الإسلامية تُبيح الاستفادة من قرنيات عيون الموتى؛ لزرعها في عيون كفيفي البصر، أو المُهددين بالعمى، وذلك ضمن الشروط الآتية:
- التَّحقق من وفاة المُتبرع.
- أن يكون هناك ظنٌّ غالبٌ لدى الأطباء بنجاح عملية الزرع.
- أن يكون الميت قد تبرَّع قبل موته بقرنيته، أو رضي الورثةُ بذلك.
ومن الأدلة الشرعية المؤيدة لجواز هذا الأمر:
أولًا: إن نقل الأعضاء من الأموات إلى الأحياء فيه حفظٌ للنفوس التي جاءت الشريعة الإسلامية بوجوب المحافظة عليها.
ثانيًا: لا شكَّ أنَّ العمى أو فقد البصر ضررٌ يلحق بالإنسان، ودفع هذا الضرر ضرورة شرعية تُبيح نقل قرنيات عيون الأموات إلى عيون الأحياء، وهذا يندرج تحت القواعد المتفق عليها، مثل: "الضَّرورات تُبيح المحظورات"، و"الضرورة تُقدَّر بقدرها"، "لا يُنكر ارتكاب أخفّ الضَّررين".
ثالثًا: إن أخذ قرنية الميت لزرعها في عين إنسانٍ حيٍّ لاستعادة بصره لا يُعدُّ مِن قبيل المُثلة؛ لأن المثلة التي نهى عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم هي التي يُقْصَد بها إهانة الميت، والاستخفاف بشأنه، وانتهاك موته، أما في هذه الحالة فهي تكريم للإنسان المُتبرع؛ حيث يفتح له باب الأجر والثواب، وتكريمٌ للإنسان الحيِّ الذي استعاد بصره، وإعانة على التمتع بنعمة الله عليه بالبصر وشكرها.
ولهذا ذهب الفقهاء إلى جواز شقِّ بطن الأنثى الحامل التي ماتت؛ وذلك لإخراج الجنين الذي تُرجى حياتُه، وكذلك جواز شقِّ جوف الميت الذي ابتلع مالًا لغيره، وقد علل الفقهاء ذلك بقولهم: "إنَّ حرمةَ الحي وحفظَ نفسه أوْلى من حفظ الميت عن المُثلة"، قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} [فاطر:22].
رابعًا: دعت الشريعة الإسلامية إلى التداوي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله أنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ»[1]، ونقل قرنيات العيون من الأموات إلى الأحياء هو مِن قَبيل التَّداوي والمُعالجة.
خامسًا: يدخل التبرع بقرنيات العيون إلى الآخرين المُصابين بفقد البصر في مفهوم الصدقة التي حثَّت الشريعة الإسلامية على بذلها للآخرين من ذوي الحاجات، وحاجة الأعمى إلى البصر أشد من حاجة الفقير إلى المال، وأشد من حاجته إلى الطعام والشراب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، والله فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أخِيهِ» [2]
والله تعالى أعلم.
بتاريخ: 11/ 7/ 1404هـ، الموافق: 11/ 4/ 1984م.
[1] رواه أبو داود: كتاب "الطب"، باب "في الأدوية المكروهة"، حديث رقم (3874) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. واختلف العلماء في حكمه: فقال ابن الملقن: إسناده صحيح. "تحفة المحتاج" (2/ 9). وقال النووي رحمه الله: إسناده فيه ضعف. "المجموع". وله شواهد مرفوعة وموقوفة انظرها في "التلخيص الحبير".
[2] رواه مسلم: كتاب "الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار"، باب "فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر"، حديث رقم (2699).
مجلس الإفتاء والبحوث والدراسات الإسلامية
رقم الفتوى: 2 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017
تواصل معنا